سأل رجل بحاراً " :
ـ أين مات أبوك ؟
قال : في البحر .
ـ وجدُّك ؟
قال : في البحر .
فصرخ الرجل مستغرباً : وتركب البحر بعد هذا ؟!
وهنا رد البحار بالسؤال :
ـ وأين مات أبوك ؟
قال : على فراشه .
ـ وجدُّك ؟
فأجاب : على فراشه .
فقال البحار : وتنام على الفراش بعد هذا ؟!
هذه القصة التي مرت معنا في المرحلة الابتدائية ، تنطلق من المفهوم القرآني للأجل وتسلط أضواء كاشفة على المشهد الفلسطيني في هذه الأيام ، حيث لحق الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بالشيخ أحمد ياسين شهيداً بعد أقل من شهر.
إنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ، ورزقها كذلك ، وكفى بالأجل حافظاً لابن آدم مما يتناوشه من الأعراض ، ومما يتهدده من الأخطار والأعداء.
وقد أكد سيف الله خالد رضي الله عنه ، وهو على فراش الموت ،هذا المعنى بالرغم من أنه ليس في جسده موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح ، ثم هو يموت كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء .
إن مشكلة الكثيرين هي خوفهم من الموت إن هم جاهدوا في سبيل الله ، أو جهروا بحق ، أو ثاروا على طاغية أو مستعمر ،أو احتجوا على ظالم . فتأتي آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لتؤكد أن الأجل بيد الله تعالى وحده ، وأنه لن يموت أحد قبل أوانه ولن يتأخر أحد مهما بالغ في الاحتياط أو الهرب والاختفاء ، لينتزع من الصدور الخوف والرهبة ، ويدفع بالمؤمنين إلى أتون المواجهة غير عابئين بالأهوال .
إن كرام الرجال لا يتأخرون عن أداء الواجبات ، ولا يتقاعسون عن امتثال الأوامر الإلهية مهما غلت التضحيات ، ولا يخيفهم ما أصاب إخوانهم في سبيل الله تعالى ، أو يدفعهم إلى الانسحاب ، وذاك ما رأيناه في الشهيد الرنتيسي تقبله الله تعالى وإخوانه ، بعيد استشهاد الياسين .
وأذكر أني قرأت عن زوج حسن الهضيبي ، رحمهما الله ، يوم أن جاءها من " ينصحها !" بأن تطلب من زوجها أن يساير الواقع وألا يحمل السُّلم بالعرض ، كيلا يصيبه ما لا تحمد عقباه ، فردت بكلمات من نور : إن زوجي حين قبل منصب المرشد العام للإخوان المسلمين ، كان يعلم أن سلفه قد اغتيل في واحد من أكبر ميادين القاهرة. وأنه قد وطّن نفسه لملاقاة ذات المصير .
إنه ينبغي على المسلم أن يتوقف ملياً عند أمر الله لأم موسى عليهما السلام، أن تلقيه في اليم ، فإن هذا كان عنواناً لرحلة موسى ومسيرته جميعها ، اقتحاماً للأهوال ، وتجشماً للصعاب. وقد كان هذا درساً لأم موسى أولاً ، أن الحفاظ على وليدها لا يكون بإخفائه أو الجبن بسببه ولأجله ، بل بدفعه في خضم المواجهة وإلقائه في أمواج البحر العالية العاتية ، ثم هو درس لبني إسرائيل ألا يجبنوا عن متابعة موسى والانقياد له ، والأهم أنه درس كبير لموسى عليه السلام نفسه وهو يحمل الدين ويحرر قومه في مواجهة آل فرعون ، ولقد ذكّره الله تعالى بفضله ومنته عليه فقال : { ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري ، اذهبا إلى فرعون إنه طغى } [طه:37–43] .
فانظر كيف بدأ سبحانه بتذكير موسى بذلك اليوم الذي دهم فيه جنود الفرعون بيتهم فأمر الله أمه أن تلقيه في اليم ، مع أن البحر مظنة الغرق والهلاك ، ثم جعله في يد عدو الله وعدوه فنجاه ورده إلى أمه ، ثم قتل نفساً وتآمر عليه الملأ فنجاه الله تعالى من كيدهم ومن الغم أن يقتله .. وبعد ذلك أمرهما بالذهاب إلى فرعون لمواجهة طغيانه .
إنه الدرس الذي ينبغي أن يحفظه الآباء والأمهات ، وهم يربون أبناءهم ، وينبغي أن يعيه قادة التغيير والإصلاح وحملة الفكر ، وزعماء الثورات .
وليكن شعار المجاهدين وهم يرون ما أصاب إخوانهم السابقين قول الله تعالى { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } .
ـ أين مات أبوك ؟
قال : في البحر .
ـ وجدُّك ؟
قال : في البحر .
فصرخ الرجل مستغرباً : وتركب البحر بعد هذا ؟!
وهنا رد البحار بالسؤال :
ـ وأين مات أبوك ؟
قال : على فراشه .
ـ وجدُّك ؟
فأجاب : على فراشه .
فقال البحار : وتنام على الفراش بعد هذا ؟!
هذه القصة التي مرت معنا في المرحلة الابتدائية ، تنطلق من المفهوم القرآني للأجل وتسلط أضواء كاشفة على المشهد الفلسطيني في هذه الأيام ، حيث لحق الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بالشيخ أحمد ياسين شهيداً بعد أقل من شهر.
إنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ، ورزقها كذلك ، وكفى بالأجل حافظاً لابن آدم مما يتناوشه من الأعراض ، ومما يتهدده من الأخطار والأعداء.
وقد أكد سيف الله خالد رضي الله عنه ، وهو على فراش الموت ،هذا المعنى بالرغم من أنه ليس في جسده موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح ، ثم هو يموت كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء .
إن مشكلة الكثيرين هي خوفهم من الموت إن هم جاهدوا في سبيل الله ، أو جهروا بحق ، أو ثاروا على طاغية أو مستعمر ،أو احتجوا على ظالم . فتأتي آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، لتؤكد أن الأجل بيد الله تعالى وحده ، وأنه لن يموت أحد قبل أوانه ولن يتأخر أحد مهما بالغ في الاحتياط أو الهرب والاختفاء ، لينتزع من الصدور الخوف والرهبة ، ويدفع بالمؤمنين إلى أتون المواجهة غير عابئين بالأهوال .
إن كرام الرجال لا يتأخرون عن أداء الواجبات ، ولا يتقاعسون عن امتثال الأوامر الإلهية مهما غلت التضحيات ، ولا يخيفهم ما أصاب إخوانهم في سبيل الله تعالى ، أو يدفعهم إلى الانسحاب ، وذاك ما رأيناه في الشهيد الرنتيسي تقبله الله تعالى وإخوانه ، بعيد استشهاد الياسين .
وأذكر أني قرأت عن زوج حسن الهضيبي ، رحمهما الله ، يوم أن جاءها من " ينصحها !" بأن تطلب من زوجها أن يساير الواقع وألا يحمل السُّلم بالعرض ، كيلا يصيبه ما لا تحمد عقباه ، فردت بكلمات من نور : إن زوجي حين قبل منصب المرشد العام للإخوان المسلمين ، كان يعلم أن سلفه قد اغتيل في واحد من أكبر ميادين القاهرة. وأنه قد وطّن نفسه لملاقاة ذات المصير .
إنه ينبغي على المسلم أن يتوقف ملياً عند أمر الله لأم موسى عليهما السلام، أن تلقيه في اليم ، فإن هذا كان عنواناً لرحلة موسى ومسيرته جميعها ، اقتحاماً للأهوال ، وتجشماً للصعاب. وقد كان هذا درساً لأم موسى أولاً ، أن الحفاظ على وليدها لا يكون بإخفائه أو الجبن بسببه ولأجله ، بل بدفعه في خضم المواجهة وإلقائه في أمواج البحر العالية العاتية ، ثم هو درس لبني إسرائيل ألا يجبنوا عن متابعة موسى والانقياد له ، والأهم أنه درس كبير لموسى عليه السلام نفسه وهو يحمل الدين ويحرر قومه في مواجهة آل فرعون ، ولقد ذكّره الله تعالى بفضله ومنته عليه فقال : { ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفساً فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري ، اذهبا إلى فرعون إنه طغى } [طه:37–43] .
فانظر كيف بدأ سبحانه بتذكير موسى بذلك اليوم الذي دهم فيه جنود الفرعون بيتهم فأمر الله أمه أن تلقيه في اليم ، مع أن البحر مظنة الغرق والهلاك ، ثم جعله في يد عدو الله وعدوه فنجاه ورده إلى أمه ، ثم قتل نفساً وتآمر عليه الملأ فنجاه الله تعالى من كيدهم ومن الغم أن يقتله .. وبعد ذلك أمرهما بالذهاب إلى فرعون لمواجهة طغيانه .
إنه الدرس الذي ينبغي أن يحفظه الآباء والأمهات ، وهم يربون أبناءهم ، وينبغي أن يعيه قادة التغيير والإصلاح وحملة الفكر ، وزعماء الثورات .
وليكن شعار المجاهدين وهم يرون ما أصاب إخوانهم السابقين قول الله تعالى { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } .